أثبتوا ولا تهلّوا.



 

أثبتوا ولا تهلّوا.

الكلمات التي قالها والد الصبي للرّبّ يسوع المسيح لها معنى دقيق جدًا: ”يا سيّد ارحم ابني فإنّه يُصرع ويتألّم شديدًا ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء“.

الفعل في اللغة اليونانيّة المُستعمل في هذه الآية والذي يُشير إلى الصرع هو σεληνιάζεται من σεληνιάζομαι وهو يعني بحسب اللغة اليونانيّة القديمة ”يُصرَع في الهلّة“، أي بتأثير من هلال القمر. إذ كان يوجد اعتقاد قوي في التراث الشعبي أن مرض الصرع هو نتيجة تأثير القمر على البشر، مِن هنا الفعل يحمل في جذره اسم القمر σελήνη نتيجة الهلّة هذه فقدان الوعي والتوازن والتخبّط مثل التمرّغ في التراب والوحل والوقوع في الماء والنار. 7be0a364f1b4df7539cc7e3b89dc83b4

الذي يقع في هذه الحالة يتألم كثيرًا وتُصبح حالته مزرية، عدا عن أن التخبّط يُسبب جراحا وكدمات في الجسم. لذا أتى وصف الأب لحالة ابنه المحزنة جدًا: κακῶς أي سوء شديد إلى أقصى الحدود، و πάσχει الألم والمعاناة من الفعل πάσχω إلى هنا قد يكون الكلام على حالةٍ مرضيّة صرف.


ولكن لننتبه جيّدًا إلى أمرين:

- الأوّل، فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان فشفي الغلام من تلك الساعة. الآية واضحة ”الشيطان δαιμόνιον“ والتي تعني أيضًا روحًا نجسًا.

- الثاني، إلى ما قاله يسوع: ”هذا الجنس فلا يخرج إلّا بالصلاة والصوم“.الكلمة التي استعملها الرّبّ واضحة جدًا ولا تحمل أي تأويل ”هذا الجنس τὸ γένος“.

مِن هنا أصرّ الرّبّ يسوع المسيح على التنقية الداخليّة أي الصوم والصلاة للتغلب على الشرير.

إذا طبّقنا هذا الكلام على ذواتنا لوجدنا الآتي:

1- نحن نتخبّط ونهلّ يوميًًّا بين شرٍ وهوى، وكلمة πάθος المرتبطة بالفعل πάσχω المُستعمل هنا تعني أيضًا هوى.

2- ما نتخبّط به يسبب لنا ألما شديدًا.

3- لا سبيل للتحرر من الأهواء الدفينة فينا إلا بكلمة الرب القدوس واتحادنا بالرب يسوع المسيح.

4- كلمة ”عالهلّة“ أو هذا ”شخص عالهلّة“، ما زلنا نستعملها في لغتنا ونقصد بها أن لا شيء ثابت عند شخص ما. والكلمة ذاتها موجودة باللغتين الإنجليزية والفرنسية مثلًا وتعني المعنى ذاته تمامًا Lunatic, Lunatique من اللاتينية luna أي القمر.

 

خلاصة:

أَلَيْسَت دعوتنا منذ القدم أن نثبت في الله؟ فقد خاطب النبيّ إيليّا الشعب قائلًا: ”حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ“ (١مل ٢١:١٨). كذلك خاطبنا الرّبّ يسوع المسيح بنفسه قائلًا لنا: ”اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ“ (يوحنا٤:١٥).

وبولس الرسول ناشد الأمم كاتبًا:”اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا“ (اكو١٣:١٦). فلا غلبة لإبليس علينا إن حقًا ثبتنا في الرّبّ يسوع المسيح.