محبّة الأعداء: تعليم القدّيس سلوان الآثوسي



 محبّة الأعداء: تعليم القدّيس سلوان الآثوسي

من الطبيعي والاعتيادي أن نحبّ الذين يحبوننا وأن نعامل بالمعاملة الحسنة الذين يعاملوننا كذلك (متى 46:5-47، لوقا 32:6-33)، فإن طبيعتنا تشمئز من محبّة أعدائنا.

يمكن أن يقول المرء أنّ ذلك ليس بمقدورنا لا بل مستحيلة، ولكن في الحقيقة ما هو غير مستطاع عند الشر مستطاع عند الله.

فنعمة الروح القدس تجعل هذا الأمر ممكنًا، لهذا يكتب القدّيس سلوان الآثوسي: " النفس التي لم تعرف الروح القدس لا تفهم كيف يحب الإنسان أعداءه، ولا تقبل ذلك".

كان الشيخ يردد دائماً أن محبّة الأعداء مستحيلة من دون النعمة: " أيها السيّد، أنتَ أعطيت الوصية بمحبّة الأعداء، لكن هذا صعب علينا نحن الخطأة من دون أن تكون نعمتك معنا ".

croix " لقد أوصانا السيّد بأن نحب أعداءنا، والروح القدس يكشف لنا هذه المحبّة "، " يمكن للمرء أن يحبّ أعداءه فقط بنعمة الروح القدس”، “عندما تحبّ أعداءك، اعرفْ أن نعمة إلهيّة عظيمة سوف تحيا فيك ".

لا تنفجر هذه النعمة فجأة في النفس، بل بالأحرى تظهر نفسها بتربية إلهيّة، آخذة في الحسبان ضعف الإنسان وصعوباته.

الربّ يشفق على المنسيين… الروح القدس يعلّم الحنو نفسه على الذين يذهبون إلى الجحيم " لذا يشدد الشيخ سلوان لأن " نسأل الرّب من كلّ كياننا أن يعطينا القوة لمحبّة كلّ البشر ".

وهو ينصحنا أيضاً أن نصلّي لوالدة الإله والقدّيسين: " إذا كنا عاجزين [عن محبة أعدائنا] وإذا كنّا بلا محبّة، فلنستدر نحو الرّب بصلوات حارّة، إلى والدته الكليّة الطهارة، ولجميع القدّيسين، والرّب سوف يساعدنا في كلّ شيء، هو الذي محبّته لنا لا تعرف الحدود".

يعترف القدّيس أنّه شخصيًا يصلّي إلى الله من أجل هذا الأمر: " أنا أتوسّل الله باستمرار ليعطيني محبّة الأعداء… في النهار والليل أسأل الربّ هذه المحبة. الرّب يعطيني دموعاً وأنا أنوح من أجل كلّ العالم".

في محبّته الكونية يتمنّى أن يحصل كلّ البشر على هذه العطيّة، وهو يربطهم بنفسه في صلاته: "أيها السيّد، علّمني بروحك القدّوس أن أحبّ أعدائي وأصلّي من أجلهم بدموع… يا ربّ، كما صليّت من أجل أعدائك، هكذا علّمني أيضاً، بالروح القدس أن أحبّ أعدائي".

لكن اكتساب نعمة محبّة الأعداء تفترض مسبقاً شروطاً أخرى:

1-  محبّة الله لكل البشر:

إن محبّة الأعداء مرتبطة كليًّا بمحبّة الله: ...الأساس الأوّل لمحبّة الأعداء هو المحبّة التي يظهرها الله لكلّ خلائقه بالتساوي، وإرادته بأن يخلص الكلّ، وقد أعطانا المسيح مثالاً كاملاً عن هذه المحبّة طوال حياته على الأرض.

محبّة الله تقود الإنسان إلى إتمام مشيئته والتمثّل به قدر المستطاع، وإلى محبّة الأعداء أيضاً.

 

2-  محبّة الأعداء مرتبطة أيضاً بالتواضع:

كثيراً ما يربط الشيخ بين هاتين الفضيلتين. تقريباً، كلّ الصعوبات التي نواجهها في محبّة أعدائنا مرتبطة بالكبرياء:

من الكبرياء يجري الحزن الذي ينتج عن الإهانات، الكراهية، المزاج السيئ، الضغينة، الرغبة بالانتقام، احتقار القريب، رفض المسامحة والمصالحة.

الكبرياء تقصي محبّة الأعداء، ومحبّة الأعداء تقصي الكبرياء: " إذا أحببنا أعداءنا، لن يكون للكبرياء مكان في نفسنا ".

حقيقة أنّ التواضع يسير يداً بيد مع محبّة الأعداء وهي  تبرهن وجود النعمة وأصالة المحبة: " إذا كنت متحنناً على كلّ الخلائق ومحبّاً لأعدائك، وإذا كنت في الوقت نفسه تعتبر نفسك الأكثر حقارةً  أيّ سؤًا بين كلّ الناس، تأكّد أنّ نعمة الله العظيمة فيك". " بدل أن تحكم على أعدائك وتنتقدهم، تندم على خطاياك"، وتطلب الرحمة لنفسك وللآخرين.

twelve_gospels ينصح الشيخ: " تواضع من ثمّ النعمة تعلّمك ".

3- الإستغفار :

من خلال الإستغفار والندامة وإعتراف النفس بتواضع أمام الله بأخطائها وتقصيرها، تحصل على الغفران منه، عندها يمكن فتح ثغرة، سوف تكبر وتكبر، للنعمة والتقدم المستمر نحو الله.

أمّا الغياب الكامل للشفقة على الأعداء فهو يظهر وجود الروح الشرير وعمله، والسبيل الوحيد للتحرر منه هو التوبة الصادقة ".

4-  الصلاة المستمرّة :

" أرجوكم أن تجرّبوا، أجبروا قلبكم في البداية على محبّة أعدائكم ".

فالجهود التي يقوم بها الإنسان عن نيّة مستقيمة وإرادة طيبة ثابتة يجب أن تظهِر، لتحقيق وصيّة الله. والله سوف يستجيب على الأكيد.


" إذ يرى الرّب نيّتك الحسنة يساعدك في كلّ شيء ".  فالشيخ الذي أحسّ بشكل حادّ في نفسه بالوهن البشري والضعف، يبدو أنّه يفكّر باستمرار بكلمات الرسول: “أستطيع أن أقوم بكلّ شيء بالمسيح الذي يعطيني القوة " (فيليبي 13:4) ويشهد بخبرته الذاتيّة على المعونة الإلهيّة التي بمقدور كلّ إنسان أن يحصل عليها من الله.

5- لا أعداء بالنسبة للمسيح :

يقول الشيخ أن لا أعداء للمسيح، إذ يوجد أولئك الذين يقبلون " كلمات الحياة الأبدية "، كما يوجد أولئك الذين يرفضون وحتّى يصلبون.
لكن بالنسبة لخالق كلّ حيّ، لا يمكن أن يكون هناك أعداء. هكذا يجب أن يكون الأمر بالنسبة للمسيحي أيضاً، " بحنو على الجميع، ويجب أن يسعى إلى خلاص الجميع" .

إذاً، أين تكمن قوّة الوصية " أحبّوا أعداءكم؟ ". الذين يحفظون وصايا الرّب سوف يعرفون من خبرتهم أن الله محبّة.

محبّة غامرة لكل الخلائق بغزارة مفرِطة. بالسماح للإنسان أن يعرف فعلياً هذه المحبة، يكشف له الروح القدس الطريق نحو كمال الكينونة.

كلمة "عدو" تتضمّن الرفض. بهذا الرفض يسقط الإنسان من كمال الله.

يكتب الشيخ: "كلّ جنّة القديسين تحيا بالروح القدس، وعلى الروح القدس لا شيء من الخليقة يختبئ . الله محبّة والروح القدس في القدّيسين هو محبّة. كونهم يسكنون في الروح القدس، يرى القدّيسون المحبّة ويضمونّها أيضاً في محبتهم".

بتصرّف
جان كلود لارشي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي