القدّيس أثناسيوس الآثوسي



07-05

١- مولده:
وُلد القدّيس أثناسيوس الآثوسي حوالي العام ٩٣٠ في تريبيزوند البنطس مِن والدين نبيلين وأعطى، في المعمودية، اسم أبراميوس.
تيتّم بعد قليل مِن مولده واحتضنته إحدى قريبات أمّه.

٢- نشأته وذهابه إلى القسطنطينيّة:
لم يكن، كولد، يتعاطى الألعاب الصاخبة بل اعتاد أن يسوق رفاقه إلى الغابة أو إلى إحدى المغاور ليلعب دور رئيس دير.
لفت بتقدّمه السريع في الدرس والتحليل انتباه أقربائه. وما إن بلغ سنّ المراهقة حتى لاحظه موظف ملكي كبير وفد على المدينة في مهمّة فمال إليه وأخذه معه إلى القسطنطيني 
هناك تابع دروسه على معلّم مشهور اسمه أثناسيوس وصار أستاذاً مساعداً رغم حداثته.Athanasios-the-Athonite

٣- تقّشفه ومساعدته للفقراء:
انكبابه على الآداب لم يحمله على إهمال الحياة النسكيّة التي طالما أحبّها مند ولادته. 
وقد استبان راهباً حتى قبل أن تأتي الساعة وكذا مصارعا حتى قبل أن يدخل الحلبة. فكان يجتنب المائدة السخيّة في بيت راعيه، ويستبدل الطعام الذي يأتيه به خادمان برغيف شعير يأكله مرّة كل يومين.
لا يتمدد لينام ويجاهد ضد النعاس، ويرشّ وجهه بالماء البارد. 
أمّا ملابسه فيوزّعها على الفقراء. ولما لم يعد له شيء يعطيه اعتاد أن ينتحي جانبًا ليتخلّص من بعض ملابسه الداخلية.
 
٤- جذبه للتلاميذ:
كان التلاميذ يأتون إليه مِن كل ناحية، وكان آخرون ينجذبون بلطافته وسيرته المقدّسة وطابعه الإلهيّ. 
نقله الإمبراطور قسطنطين السابع إلى مؤسسّة أخرى. ولكن إذ تعلّق به التلاميذ بالأكثر، وحتى لا يدخل ومعلّمه في خصام وبتسبّب له في عثرة، قرر أن يعتزل الأستاذيّة وكل هم.
 
٥- ترهّبه واتخاذه اسم أثناسيوس:
كانت الكرامات لديه عاراً. لذا، إثر عودته إلى القسطنطينية بعد إقامة دامت ثلاث سنوات في ناحية البحر الإيجي، برفقة راعيه، وصله هدا الأخير بأحد أنسبائه القدّيس ميخائيل ماليينوس (١٢ تموز) الذي كان رئيس لافرا جبل كيميناس.
وجد فيه أبراميوس ضالته المنشودة فاتخذه أبًا روحيًّا له، وتبعه إلى جبل كيميناس حيث ترهّب واتخذ اسم أثناسيوس.
لاحظ الشيخ أن تلميذه الحدث الغيور كان متقدّمًا في الممارسات النسكيّة، فشاء أن يجعل منه جنديًّا ليسوع المسيح متمرّسًا في الصبر. فلم يأّذن له بأن يأكل مرّة الأسبوع بل مرّة كل ثلاثة أيام. 
كذلك أمره بأن ينام على حصيرة لا على مقعد كما كان معتادًا. إلى دلك أسند إليه عمل طاعة النسخ ومعاونة القندلفت في الكنيسة. كل هذا وغيره خضع له عن طيب خاطر.
غرض أبيه الروحي في تنشئته كان أن يعلّمه قطع المشيئة. لذا دعاه الآخرون "ابن الطاعة".
وقد أبدى غيرة في السيرة الرهبانية حتى بلغ، في أقل من أربع سنوات، نقاوة الدهن.

٦- اعتزاله في قلاية صغيرة:
وإذ من عليه الرب الإله بعربون صلاة الذهن أهّل لدخول ساحة الحياة الهدوئيّة. وقد وعده ميخائيل بالاعتزال في قلاّية صغيرة على بعد ميل مِن الدير تقريبًا، وأن يعيش على الخبز الجاف والماء، كل يومين، وأن يمضي ليله كله في الصلاة. 

٧- هروب أثناسيوس من المديح وذهابه إلى آثوس:
بعد ذلك بفترة قصيرة شرع ميخائيل يطلع قوماً أن أثناسيوس إن هو إلا وريثه في النعمة وقيادة النفوس. وإذ ظن بعض الرهبان أنه يرغب في جعله رئيس دير. 
أخذوا يزعجونه بمدائحهم. أما هو فإذ أحب السكون ونبذ كل كرامة فقد اختار، مرة أخرى، التواري. لم يحمل معه غير ملابسه وكتابين وقبعة الرأس خاصة أبيه الروحي. توجه مباشرة إلى آثوس حيث لم يكن غير بعض نسّاك يقيمون في أكواخ مِن أغصان الشجر، غرباء عن كل هم، لا يملكون شيئاً ويعملون في الأرض.
أعجبته طريقة حياتهم وانضوى تحت لواء شيخ بسيط بعدما أخفى من يكون مدعيًّا أن اسمه برنابا، وأنّه لا يعرف القراءة والكتابة.
في ذلك الحين بحث عنه نيقيفوروس فوقاس وكان معجبًا به، راغبًا في الانضواء تحت لوائه فلم يجده. كتب إلى قاضي تسالونيكي وطلب منه أن كان يستطيع أن يخبره في جبل آثوس.
بدوره اتصل القاصي بالمتقدّم استفانوس بين الرهبان في الجبل، فأجابه إنه لا يعرف شيئًا عن وجود راهب له الصفات التي نقلها إليه القاضي.
 
٨- انفضاح أمره:
وما إن حل عيد الميلاد واجتمع كل الآثوسيين في سهرانيّة في الكنيسة المتواضعة للـــ protaton في كرياس، حتى لفت الرئيس المظهر النبيل للشاب برنابا، فأحس بأنّه هو إياه مَن يبحثون عنه.
أمره بأن يقرأ عظة القدّيس غريغوريوس اللاهوتي فشرع أثناسيوس يقرأها بلعثمة مصطنعة كأنّه ولد.
فقال له الرئيس أن يقرأ كما يعرف حقًا ولا يتظاهر بأنّه جاهل. فإذ لم يعد بإمكان أثناسيوس أن يخفي نفسه، أخد يقرأ بطريقة بديعة أثارت إعجاب كل الرهبان، فتقدّموا منه وضربوا له مطانيّة.
وقد تنبأ أبرزهم، وهو بولص كسيروبوتامو(٢٨ تموز)، بأن هذا الذي قدم بعدهم إلى الجبل سوف يتقدّمهم في ملكوت الله، وأن كل الرهبان سوف ينضوون تحت لوائه. فأخذ الرئيس أثناسيوس على حدة واستعلمه الحقيقة، ثم وعده بألا يفضح أمره. ثم عين له قلاّية منعزلة على بعد ثلاثة فراسخ من كارياس حيث بإمكانه أن يناجي الله وحده ولا ما يلهيه.
وقد رضي القدّيس، في المقابل، أن يوفّر حاجات الرئيس لجهة نسخ الكتب الكنسيّة، فأبدى مِن المهارة في عمله قدراً جعله ينسخ، بكتابة أنيقة مرتبّة، كتاب مزامير كل أسبوع.

٩- لاون يتعرّف على أثناسيوس في آثوس:
لم يكن ممكناً للشعلة أن تبقى مخفية على جبل. فلما قدم لاون فوقاس، شقيق نيقيفوروس, في حجّ إلى آثوس شاكراً لله بعد معركة ظافرة خاضها ضدّ البرابرة، نجح في كشف أثناسيوس.
وإن الرهبان الآثوسّيين، إذ رأوا المغبوط على هدا القدر مٍن الرفعة لدى عليّة القوم، سألوه أن يتوسّط لدى لاون ليصار إلى إعادة بناء كنيسة الــprotaton وتوسيعها.
وقد حظي بما رغب به إلى لاون للحال. فلما استأذن صديقه عاد إلى خلوته.
 
١٠- هروبه من جديد وصراعه مع إبليس:
لكن إقبال الرهبان عليه طلبِا للمشورة جعله يهرب مِن جديد ابتغاء السكون. وقد اختار الرأس الجنوبي للجبل، هذه المّرة، مكانًا قاحلاً تضربه الأهوية بتواتر اسمه ميلانا.
هناك جرّبه إبليس بقسوة، وسلّط كل أحابيله عليه ليبطل نسكه، خصوصاً "حرب الضجر". وقد تسبب العدو في إحداث جفاف روحي لدى القدّيس بلغ حد الإحباط الكامل حتّى تمنى أن يغادر المكان.
لكنّه قرر الصبر والجهاد إلى آخر السنة. فلمّا وافاه اليوم الأخير، وكان يستعد لمغادرة ميلانا، بعدما أخفق في الخروج مِن التجربة، فجأة اخترقه نور سماوي ملأه فرحًا لا يوصف حتّى أخذت الدموع يذرفها مِن دلك اليوم، دون جهد، إلى آخر أيام حياته.
وهكذا بقدر ما كان هذا الموضع في عينيه شنيعًا صار لديه عزيزًا.
 
١١- انضمامه إلى نيقوفوروس لمؤازرة الجيش بالصلاة:
أما نيقيفوروس فوقاس فأضحى القائد الأعلى للجيش البيزنطي. وإذ كان أمامه أن يعيق كريت مِن العرب الذين كانوا يقضّون مضاجع السكان هناك بأعمال القرصنة، أوفد إلى كل المراكز الرهبانيّة، في زمانه، لا سيّما إلى آثوس، بعدما علم مِن أخيه بوجود أثناسيوس، أبيه الروحي هناك، وطلب أن يرسل إليه رهبان قادرون على مؤازرته بصلاتهم.
لم يشأ أثناسيوس، أوّل الأمر، أن يستجيب لأنه لم يشأ أن يخرج مِن سكونه، لكن إصرار الرهبان عليه جعله ينضم إلى نيقيفوروس فوقاس في كريت بعد قليل من انتصار هدا الأخير علي العرب.
فرحة القائد العسكري كانت كبيرة بلقاء أبيه مرّة أخرى، ومرّة أخرى عبّر له عن رغبته في الانضمام إليه في الوقت المناسب. تحضيراً لذلك توسّل إليه أن يباشر بإنشاء دير بقرب المنسك خاصته. لم يشأ رجل الله أن يفعل دلك أوّل الأمر لكنّه رضخ أخيراً.
وهكذا، بسرعة، بُنيت قلاية على اسم السابق قوامها قلال نسكيّة لأثناسيوس ونيقيفوروس. ثم ما لبثت عمارة كنيسة لوالدة الإله ولافرا تٌشاد في الموضع المسمى "ميلانا" حيث افتقد الربّ الإله أثناسيوس بنوره الإلهيّ يوم كان مشتملاً بروح الضجر.
يشار إلى أن أثناسيوس أعتق، بنعمة الله والصلاة، العمّال مِن الشلل الذي ضربهم إبليس به، فكانت النتيجة أن قرروا جميعًا أن يصيروا رهبانًا. وقد اقتبلهم أثناسيوس بعدما أخد هو الإسكيم الكبير مِن ناسك في الجوار اسمه أشعياء.
 
١٢- المجاعة وظهور والدة الإله:
في تلك السنة (٩٦٢-٩٦٣) ضربت مجاعة رهيبة كل الإمبراطوريّة، فانقطع تزويد اللافرا بما تحتاج إليه. بإزاء ذلك قرر أثناسيوس أن يطلب نصيحة الشيوخ في كارياس. 
في الطريق التقى والدة الإله التي أتبعت أمام عينيه نبع ماء فيّاض وأوصته ألا يقلق لأنّها، هي نفسها، ستأخذ على عاتقها مهمة تدبير الدير. فلما عاد خاصته أبانت له الكليّة القداسة كلّ المخازن ممتلئة.1
 
١٣- ازدهار الدير وتقدّمه:
هكدا بنعمة الله وصلاة القدّيس تقدّمت الأشغال بسرعة رغم انحدار الموضع وكلّه صخور وعليّق كثيف. وإلى الكنيسة ذات الجناحين في شكل صليب أضيفت قاعة طعام ومضافي ومشفى فيه حمّام، وسد مياه وطاحونة وكل ما كان ضروريًّا لحياة دير كبير.
زاد عدد الرهبان هناك بسرعة فاهتم القدّيس بتنظيم حياة الشركة ضابطًا، إلى أبعد التفاصيل، الخدم الليتورجيّة على مثال دير ستوديون في القسطنطينيّة متممًا كل أمر بلياقة وترتيب ليتسنى للرهبان السالكين في الفقر وقطع المشيئة أن يثابروا، بقلب واحد، وبلا هم على التمجيد الدائم لله. 
بالنسبة للقدّيس أثناسيوس تمثلت الحياة في الدير بـــ "النظرة المشتركة إلى غاية الحياة التي هي الخلاص، وأن يكون الرهبان، في حياة الشركة، قلباً واحداً قوامه أعضاء كثيرةً (تيبيكون القدّيس أثناسيوس).
 
١٤- نيقيفوروس أمبراطورًا وهروب أثناسيوس:
في تلك الأثناء تبوأ نيقيفوروس فوقاس العرش سنة ٩٦٣م . فلما بلغ أثناسيوس الخبر اعتبر الأمر خيانة في حقه، فترك الدير إلى قبرص متخفيًّا بعدما بعث برسل إلى الإمبراطور يخبره فيها بأنّه يستقيل مِن مهامه ويكلّف ثيودوتوس، أحد تلامذته، بمهامه في اللافرا.
بحث عنه الأمبراطور في كل مكان، فاضطر إلى الهرب مِن قبرص مِن جديد باتّجاه سواحل آسيا الصغرى، بقرب أتاليا.
دير الافرا، في دلك الحين، ضربته البلبلة. ولم يعد أثناسيوس عن قراره إلّا بعدما أبان له الربّ الإله في رؤيا حالة المكان الشقيّة ودعاه إلى العودة.
 
١٥- عودة أثناسيوس إلى اللافرا:
وبالفعل عاد فاستُقبل كالسيّد في دخوله إلى أورشليم.
هكذا استردّت اللافرا الحياة مِن جديد. بعد ذلك توجّه أثناسيوس إلى القسطنطينيّة. فلما قابله نيقيفوروس فوقاس بثياب بسيطة اعتذر لديه واستمهله ليحقق وعده. لكن كان أثناسيوس قد عرف بروح الرب أن نيقيفوروس سيموت على العرش، لذا نصحه بالعدل والرحمة، ثم غادره مزوّدًا بمرسوم ملكيّ يعطي اللافرا صفة دير إمبراطوريّ، ويوفر له عطايا سنويّة جزيلة. كما أعطاه دير القدّيس أندراوس باريستارا، في نواحي تسالونيكي، بمثابة تابع له (متوخيون).
 
١٦- أثناسيوس طريح الفراش لمدّة ثلاث سنوات:
عاد قدّيسنا إلى آثوس واستعاد إدارة أشغال الدير. ففيما كانت أشغال المرفأ قائمة جُرح في رجله واضطر إلى ملازمة الفراش ثلاث سنوات. فكانت له هده الحال فرصة لانصراف إلى ربه أعمق وللعناية روحيًّا بالإخوة.
 
١٧- موت نيقيفوروس واتّهام أثناسيوس:
إثر موت نيقيفوروس فوقاس انتقل العرش إلى يوحنا تُسيميسكي لعامين ٩٦٧-٩٦٩م.
وفيما كان العاهل الجديد غير مرتاح البتة للقدّيس أثناسيوس بسبب علاقته القويّة بسلفه، اتّهم بعض نسّاك آثوس، مِن المتمسكين بطريقتهم الخاصة، أثناسيوس بتحويل الجبل المقدّس إلى مكان عالمي. استدعى الإمبراطور أثناسيوس إلى القسطنطينية لينظر في الأمر.
لكن أثناسيوس ترك في نفس الإمبراطور أثرًا كبيرًا لدرجة جعلته يغيّر موقفه منه بالكامل، ويزوّده بمرسوم ملكيّ جديد يخصص للدير عطاء يضاعف ما كان عليه في السابق.
 
١٨- انتعاش الرهبنة تحت لوء أثناسيوس:
ثم أوفد إلى آثوس أفتيميوس ستوديون لتهدئة الحال وإعطاء الجبل المقدس أوّل تنظيم رسمي له عُرف بـ Tragos ودلك سنة ٩٧٢م.
مِن تلك اللحظة صرنا نرى أديرة شركويّة تحل محل الأكواخ. يومذاك تأسست أديرة فاتوبيذي وإيفيرون ودوخياريو.
النسّاك والشركويّون أخذوا، منذ ذلك الحين، بتبادل بركات الحياة الرهبانيّة التي خبرها كل فريق: النسّاك أكّدوا هم السكون والصلاة المتواصلة، والشركويون النظام والانسجام في عهدة رئيس الدير مقامًا وسط الجماعة صورة للمسيح.
مذ ذاك أخذ نسّاك يغادرون قفارهم ورؤساء أديرة أديارهم وأساقفةَ كراسيهم لينضووا تحت لواء القدّيس أثناسيوس. 
كذلك أخذ طلّاب الرهبنة يتدفّقون على آثوس قادمين مِن إيطاليا وكالابريا وإيبريا (جيورجيا) وأرمينيا. كما آثر نسّاك معروفون، نظير المغبوط نيقيفوروس العريان، التخلّي عن شظف نسكهم لينتفعوا مِن تعليم القدّيس أثناسيوس، ويجدوا الكمال بنسك الاتّضاع والطاعة.

١٩- صلاة أثناسيوس ومحاولة قتله:
هذا وقد كانت صلاة القدّيس ضد الأبالسة قويّة لدرجة أن هؤلاء أحاطوا بالجبل المقدس على نحو غير منظور دون أن يتمكّنوا مِن الرهبان فيه، فيما استمروا، رغم ذلك، في مهاجمة أثناسيوس نفسه. 
وذات يوم أوحت الأبالسة إلى راهب متهاون بمحاولة قتله، فأخذ سيفًا وذهب إليه ليلًا. فلمّا دق على بابه فتح له القدّيس واحتضنه أبويًّا، فترك المسكين السيف يسقط مِن يده، ونزل على رجليه أمام رجل الله واعترف بخطيئته.
فسامحه القدّيس للتو وأبدى له عطفًا كبيرًا فاق ما أبداه لبقيّة تلاميذه.

٢٠- القدّيس أثناسيوس والرهبان:
على هذا استبان القدّيس أثناسيوس الكل لكل واحد، لرهبان الشركة ولنسّاك الجوار وللحجاج القادمين من أجل القداسة والجهاد روحًا وجسدًا.
ومع ذلك استمر مقدامًا في جهاده النسكيّ وخلوده الدائم إلى ربه.
في فترة الصوم لم يكن يأكل شيئًا طيلة الأسبوع، وفي الأيّام العاديّة كان نظامه الغذائي نظام الرهبان الخاضعين لأكثر أعمال التوّبة صرامة. وحين كان يشترك في المائدة كان يوزّع حصّته حتّى لم يكن يتناول، مِن حيث لا يدري، سوى خبز البركة الذي كان يوزّع في نهاية القدّاس الإلهيّ. 
الأوقات التي لم يكن يقضيها في التعليم أو في تقبّل اعترافات تلاميذه كان يخصصها للصلاة سابحًا أبدًا في الدمع فيما كان منديله الشخصي المشبّع بالدمع شفاء للمرضى في مناسبات عديدة. إلى ذلك كان خادمًا للجميع، خصوصًا للمرضى، يحب الإقبال على الأشغال التي يأنف منها الآخرون.
وكان يعتبر البرص الكنز الأكبر للافرا ويُسند الاهتمام بهم للمختبرين من تلاميذه. ومتى رقد أحد الرهبان بالربّ كان يدنو منه ويذرف عليه دمعاً سخيًّا، لا حزنًا عليه، كما لأهل العالم حزن، بل سؤلاً لخلاصه لدى الله. ثم متى كان ينصرف عنه كان وجهه يحمر كالنار وهو يشكر الله لأنه أتاح له أن يقرب تلميذًا له بمثابة ضحيّة مقبولة.
كانت الشركة، أوّل الأمر، تقتصر، بناء لرغبة الإمبراطور، على ثمانين راهبًا، ثم زادت إلى مائة وعشرين في أواخر حياة أثناسيوس. 
في كل ذلك بقي القدّيس أبًا لكل واحد يشجّع رهبانه على العمل اليدوي اجتنابًا للتواني والكسل، الذي هو أب كل الرذائل، مقدّمًا نفسه للجميع مثالًا طيّبًا، بحيث كان أوّل المقبلين على الأشغال الشاقة التي لما ينقطع خلالها إنشاد المزامير والتملّح بملح الكلمة الإلهيّة.
 
٢١- القدّيس أثناسيوس مستنيرًا:
كان يعلّم أن هدف الحياة الرهبانيّة في الكينوبيون (حياة الشركة) هو إيّاه لدى النسّاك:
"إعداد الذات لاستنارة الروح القدس بتنقية الذهن والنفس والجسد". ذات يوم قدم الراهب جيراسيموس إلى القلايّة التي وجد فيها القدّيس معتزلًا، فرأى وجهه مضطرمًا كأتون النار، فارتد إلى الوراء مذعورًا.
لكنّه لما دنا منه مرّة أخرى ألفاه مشّعًا محاطًا بدائرة ملائكيّة، وإذ عجز تمالك نفسه صرخ فأقسم عليه أثناسيوسس ألا يكشف الأمر لأحد.
 
٢٢- رعاية القدّيس أثناسيوس للرهبان وعجائبه:
هذه الدالة لدى الله زوّدت القدّيس بحكمة إلهيّة سواء بالنسبة لتعليم الجماعة أم بالنسبة لإصلاح أخطاء الرهبان.
فحين كان يفرض على الأخوة قصاصًا ما، كان يخضع له هو أيضًا ومع أنّه كان يبدو، في حضور الآخرين صارمًا مهيبًا، فإنّه متى وجد بين تلاميذه، على حدة أو لعمل خارجي، فإنّه دائمًا ما كان بسيطًا بشوش وعلى حلاوة كبيرة.
شفى، بنعمة الله، مرضى عديدين بعدما كان يلجأ إلى الأعشاب الطبيّة ليُخفي قوّة صلاته. وكثيرون مِن الذين يأتونه باعترافهم بهوى، كالغضب والحسد، كانوا يعودون أدراجهم معافين بعد أن يكون القدّيس قد مسّهم بعصاه الرعائيّة قائلاً: "اذهب بسلام، لا يضنينك سوء!"
 
٢٣- انهيار قبّة الكنيسة ورحيل القدّيس:
مِن جهّة أخرى، وتلبية لحاجات الشركة، جرى توسيع الكنيسة. تقدّم العمل سريعًا بفضل الهبات الملكيّة وعطايا أحبّة الله ولم يبق غير قبّة الكنيسة. 
فلمّا كان القدّيس قد تلقّى مِن الله إعلانًا بقرب نهاية سعيه على الأرض، وبعدما وعظ تلاميذه في لقاء أخير معهم، لبس ثيابه الاحتفاليّة وقبّعة القدّيس ميخائيل ماليينوس، التي كان يدخرها للمناسبات الكبيرة، وارتقى الاستقالة لتفقّد الأشغال.
كان ذلك في ٥ تموز سنة ١٠٠١م، فجأة انهارت القبّة على القدّيس وستة من الرهبان كانوا معه. خمسة منهم قضوا للتو.
فقط أثناسيوس ومعلّم البناء دانيال بقيا حيين تحت الأنقاض مهشمَين. ولثلاث ساعات أمكن سماع صوت القدّيس يهمس: "المجد لك يا الله. أيّها الرّب يسوع المسيح بادر إلى معونتي!".
فلما نجح الرهبان في إخراجه مِن تحت الأنقاض كان قد توفي ويداه مصلبتان على صدره مجروحًا في ساقه. بقي كأنّه نائم ثلاثة أيّام إلى أن حضر كل الآثوسيّين، بحدود الثلاثة الآلاف، ليدفنوا أباهم وبطريركهم.  من جرحه سال دم حار جمعه مَن كل حاضرًا وجرت به أشفية عدة. مذ ذاك لم يكف القدّيس أثناسيوس عن الاسشفاع عجائبيًّا بكل القادمين إلى ضريحه مكرّمين حيث كان قنديل مشتعلاً كل حين.

٢٤- احتفال عام ١٩٨١م:
في ٥ تموز سنة ١٩٨١م، لمّا احتفل دير اللافرا الكبير بعودته إلى الحياة المشتركة، بعد قرون ساد فيه النمط الايديوريتمي، إدا بسائل عطر يستبين على صفحة الزجاج الذي يحفظ الإيقونة التي تغطّي الضريح علامة على رضى القدّيس. بركاته تحل علينا.
 
طروبارية البار أثناسيوس الآثوسي
لقد دهُشَت طغماتُ الملائكة من سيرتِك بالجسد أيّها الدائم الذكر، كيف أنّك وأنت بالجسد سعيتَ نحوَ المصافّ غيرِ المنظورة وجرحتَ مواكبَ الأبالسة. فلذلك قد كافأكَ المسيحُ بمواهبَ غنيّة. فيا أيّها الأب أثناسيوس، تشفّع إليه في خلاصِ نفوسنِا.

قنداق باللحن الثاني
لقد تناولتَ نير المسيح يا أثناسيوس، وحملتَ صليبك على منكبيك، فحصلت مماثلاً لهُ في آلامهِ كلي الفضل، ومشتركاً في مجده الإلهي، ومتمتعاً في النعيم الذي لا يفنى.