أيقونة العليقة غير المجترقة




تجمع هذه الإيقونة الحدث الخلاصي الذي أعدّه الله للإنسان منذ القدم. فإنّنا نشاهد فيها والدة الإله باللون الأبيض والأسود ضمن دائرة على يمينها ملاك يفتح جناحيه، والنبي موسى في حركتين مختلفتين، الأولى واقفًا والثانية على الأرض يخلع حذائه وبجانبه غنم.

الإيقونة تجسّد مشهدًا من العهد القديم وتحديدًا في سفر الخروج الإصحاح الثالث، مفاده أن النبي موسى كان يرعى غنمًا في جبل الله حوريب حين ظهر له ملاك الرب بلهيب نارٍ من وسط عليّقة وكلّمه.

الأمر الغريب أن العليّقة كانت تتوقّد بالنار ولم تكن تحترق. وهذا طبعًا أمر يفوق الطبيعة إذ النار كانت نور الله غير المخلوق، والمتكلّم مع موسى كان الله نفسه.

من هنا نشاهد موسى واقفًا منذهلاً ممّا يراه يحمل في يده اليمنى عصا الرعيان ويرفع يده اليسرى مسبّحًا الله.

النص في هذا الحدث يشير إلى الله بسبع عبارات:
الأولى: ملاك الربّ ”وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة“ (الآية ٢)
الثانية: الربّ ”فلما رأى الرب“ (الآيات ٤-١٦-١٨) 
الثالثة: إله أبيك إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب (الآيات ٦و١٥)
الرابعة: الله ”فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله“ (الآية ٦)
الخامسة: أهيه الذي أهيه ”فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه “ (الآية ١٤) 
 السادسة: يهوه ”وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني اسرائيل يهوه إله أبائكم إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب” (الآية ١٥) 
السابعة: إله العبرانيّين ”وتقولون له الرب إله العبرانيين التقانا“ (الآية ١٨٨)

إذا توقّفنا عند كلّ تسمية على حدة لأدركنا أن كل منها تعني صفة وفعل وارتباط، وليس تسمية مجرّدة من أي معنى أو اسم علم جامد لمجرد التسمية.

يوجد بعض الأحداث في العهد القديم نجد فيها عبارة ملاك الرب تعني الرب نفسه أي الله كما هو اضح في هذا النص الكتابي وهي مرتبطة بأن الله التقاه، إذ كلمة "ملاك" بالأرامية تأتي من الفعل "لأك"، وما زال هذا الفعل مستعمل باللغة العربية الشعبية بمعنى إلتقى بك "لاءاك".

عبارة "الرب" تعني السيّد وهو الذي يسود على كل شيء وهو الله طبعاً.

عبارة "إله أبيك إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب" مرتبطة بالوعد الخلاصي الذي أعطاه الله لابراهيم، واستمر مع ابنه وابن ابنه ولاحقا مع كل الأنبياء إلى أن تحقق بالعهد الجديد.

الوعد هو نسلهم الذي لن يزول، وهو في الأساس أعطي لحواء إذ قال الله للحيّة التي ترمز إلى الشيطان: "أضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه"(تكوين ١٥:٣)، وقد فسّر بولس الرسول من هو هذا النسل: ”وأمّا المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله. لا يقول: «وفي الأنسال» كأنّه عن كثيرين، بل كأنّه عن واحد:«وفي نسلك» الذي هو المسيح (غلاطية ١٦:٣).

فمن الذي سيسحق رأس الشيطان إلّا الربّ يسوع المسيح نفسه؟

أمّا عبارة "أهيه الذي أهيه" و"يهوه" هي فعل الكينونة باللغة العبرية.

ولا بد لنا هنا أن نتوقّف لنشرح أن اسم يسوع أو يشوع أو يهوشع، في اللغة العبريّة، يعني "يهوه يخلّص"، فهو يتألّف من كلمتين: يهوه وتعني الكائن، إذ تأتي من فعل الكينونة "هيه"، و"شع" الذي هو فعل الخلاص.

من هنا دعى الرب نفسه بالكائن :«الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن» (يو 8: 59). وهي ما ترمز إليه الأحرف الثلاثة اليونانية WON الموجودة في الهالة خلف رأس أيقونة الرب يسوع المسيح.

كلمة كائن لم يفهمها اليهود فحسب بل اعتبروها تجديفًا وقد رفعوا الحجارة ليرجموه (يو 59:8).

وجميل أن نتذكّر ما قاله الملاك ليوسف خطيب مريم :"فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم» (متى 21:1).

والعبارة الأخيرة "إله العبرانيّين" كانت استباق للعمل الخلاصي الذي كان سيقوم به الرب ألا وهو عبور اليهود البحر الأحمر وتحريرهم من فرعون، ومن هنا أتت كلمة عبرانيّين أي الذين عبروا.

خلاصة:
 الذي يتكلّم مع موسى النبي إذًا هو الأقنوم الثاني قبل التجسّد الإلهي أي الرب يسوع المسيح، من هنا تقوم الكنيسة بتجسّيده في هذه الأيقونة بالأبيض والأسود، بمعنى أن في وقت حدوث هذا الظهور لم يكن التجسّد قد تم، وهو سرّ سيُكشف لاحقًا ابتداءً من البشارة حيث سنرتّل:
 ”اليومَ رأسُ خلاصِنا. وإعلانُ السِّرِّ الذي مُنذُ الدُّهور. فإنَّ ابنَ اللهِ يصيرُ ابنَ البتول. وجبرائيلَ بالنعمةِ يُبشّر. لذلكَ نحنُ معهُ فلنهتِفْ نحوَ والدةِ الإله. افرحي أيّتها المُمتلئةُ نعمةً الرّبُ معكِ“. آمين

وكل من آمن بالرب يسوع المسيح عبر به ومعه من الموت إلى الحياة الأبدية. هذا هو فصحنا وهذه هي قيامتنا.